بسم الله الرحمن الرحيم
اشتهرت بين الشيعة تسمية أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام بـ(أمير النحل)!
فما قصَّة هذه التسمية؟ وما معناها؟
وما الصلة بين الإمام العظيم والنحل؟!
قال تعالى في محكم آياته ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ الوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (النحل68-69).
لا يزال المتفكرون في حيرةٍ من أمر هذه الآية، سواءٌ في ذلك ظاهرها وباطنها: فكيف أوحى الله تعالى إلى النحل؟ وكيف صار في الشراب الذي يخرج من بطونها شفاء للناس؟ وما المراد من هذه الآيات المباركة؟!
إنَّ لآيات الكتاب العزيز وجوهاً تُعلَمُ من أهل هذا الكتاب، من الإمام القيِّمِ على القرآن، ولقد كان الإمام يجيب في تفسير الآيات بمعانٍ شتَّى، فإذا سئل عن ذلك قال: إِنَّ لِلْقُرْآنِ بَطْناً، وَلِلْبَطْنِ بَطْناً، وَلَهُ ظَهْرٌ، وَلِلظَّهْرِ ظَهْرٌ.. لَيْسَ شَيْءٌ أَبْعَدَ مِنْ عُقُولِ الرِّجَالِ مِنْ تَفْسِيرِ القُرْآنِ.. (المحاسن ج2 ص300).
بناءً على هذه القاعدة الشريفة، نتتبع بعض ما ورد في هذه الآيات المباركة من ظواهر القرآن وبواطنه ومعانيه المتكثِّرة.
المعنى الأول: النحل والعسل
وهو المعنى الظاهر من الآية المباركة، فهي تُحَدِّثُ عن النحل، وهو الحشرة المعروفة المنتِجَةُ للعَسَل، والتي تُعَدُّ من أكثر الحشرات نفعاً، وقد عَرَفَ الناس آلاف الأنواع منها.
والظاهر أنَّ الإيحاء في الآية هو إيحاءٌ تكوينيٌ وليس وَحياً بالمعنى المصطلح، أي أنَّه من باب الخَلق التكويني، حيث خلق الله تعالى النَّحل على هذه الشاكلة من المعرفة بما يَصلُحُ به أمره، من اتخاذ المساكن، والأكل من الثمرات، وإنتاج العسل الذي يتمتع بخصائص تنفع في شفاء الأمراض، وقد درس العلم الحديث فوائد العسل بأنواعه المختلفة وخصائصه، وقد أرشدت الروايات الشريفة إلى بعض آثار تناول العسل، أكلاً تارةً، وشرباً أخرى، وثالثاً مع شَهدِه وهكذا.
ففي الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام: لَعْقُ العَسَلِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ.. وَهُوَ مَعَ قِرَاءَةِ القُرْآنِ وَمَضْغ اللُّبَانِ يَذْهَبُ البَلْغَمَ (المحاسن ج2 ص499).
ولا يُراد من الحديث أنَّ كلَّ من لعق العسل سيشفى من كلِّ داءٍ بلا قيدٍ ولا شرطٍ، فهذا لا يحصل مهما كان نوع الدواء والعلاج، فالحديث يُثبِتُ أنَّ في العسل ما يقتضي التأثير على المريض ليُشفى من (كلّ داء)، لكن لا في كل شخصٍ وفي كل حالةٍ، فإن الشفاء يتوقف على اجتماع جملةٍ من العوامل منها إلأى جانب (وجود المقتضي) (تحقق الشرائط) و(ارتفاع المانع)، ولذا ترى أنَّ الدواء يؤثر في مريضٍ دون آخر، فيكون الشفاء (في الجملة) لا (بالجملة).
على أنَّ الشفاء إنما يتحقق مع الإلتزام بوصفة خاصة قد تختلف من حالة لأخرى ومن مريضٍ لآخر، وقد يتوقف الشفاء في بعض الأمراض على استعمال الدواء بأوقات معينة منتظمة، أو في ظروف خاصة، أو بِضَمِّه إلى مادة أخرى، وهكذا.
ومن المعلوم أنَّ المرض أو الداء هو نوع اختلالٍ يصيب جسم الإنسان أو عقله فيجعله في حالة غير طبيعية، وقد يكتفى لعلاجه أحياناً برفع ما يمنع انتظام عمل الجسم فيعود لطبيعته بمجرد ارتفاع سبب الخلل، وقد يحتاج في أحيانٍ أخرى فضلاً عن ذلك إلى إصلاح ما قام المرض بتعطيله أو إتلافه من وظائف أو أعضاء.. ويكون الشفاء ممكناً من أيِّ مرضٍ في مراحله الأولى، أما بعد تفشيه فقد تصل الأمور إلى خط اللاعودة بحيث تتلف أعضاء لا طريق لإصلاحها بالأسباب الطبيعية، دون أن يتعارض هذا مع تأثير العسل كما تأثير الدواء.
فضلاً عن أن للاعتقاد بتأثير الدواء دورٌ كبير فيه، لعظم تأثير الحالة النفسية للإنسان على تماثله للشفاء كما كان لها تأثير كبير في تأثره بالأمراض.
والشفاء هنا نظير استجابة الدعاء، فمع أنَّ الله سبحانه وتعالى تعهد باستجابة الدعاء ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (غافر60)، إلا أن ذلك موقوف على استكمال شرائطه المتعددة، وقد قيل للإمام الصادق عليه السلام: إِنَّا نَدْعُو فَلَا يُسْتَجَابُ لَنَا، قَالَ: لِأَنَّكُمْ لَا تَفُونَ الله بِعَهْدِهِ، وَإِنَّ الله يَقُولُ ﴿أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾، وَالله لَوْ وَفَيْتُمْ لله لَوَفَى الله لَكُم (تفسير القمي ج1 ص46)
وفي حديثٍ آخر أضاف عليه السلام سبباً آخر فقال: لِأَنَّكُمْ تَدْعُونَ مَنْ لَا تَعْرِفُونَه (التوحيد للصدوق ص289).
فضلاً عن الأسباب الغيبية كتأجيل استجابة الدعاء لمصلحة دنيوية أو أخروية، أو لحب الله صوت عبده الداعي، أو غيرها مما ذكر في النصوص الشريفة.
وفضلاً عن تحقُّق الشِّفاء بأكل العسل، ورد ذلك في شربه أيضاً، ففي الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله: إِنْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ شِفَاءٌ فَفِي شَرْطَةِ الحَجَّامِ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ (مكارم الأخلاق ص165).
وقد ذُكِرَت أدعيةٌ خاصة لشرب العسل مع الماء للشفاء، جمعاً بين الماء سبب الحياة، والعسل سبب العافية والنجاة.
وقد أرشد أميرُ المؤمنين عليه السلام إلى شرب العسل المشترى بمالٍ تهبه الزوجة عن طيب نفسٍ من مالها أو من صداقها، ليكون مصداقاً لقوله تعالى: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً﴾، وقوله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ الوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ﴾، بعد أن يُسكَبَ عليه ماء السماء، ليكون مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً﴾، فيجتمع بذلك (الهنيء والمريء والبركة والشفاء) (تفسير العياشي ج1 ص218-219).
كما ورد في الحديث: العَسَلُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِذَا أَخَذْتَهُ مِنْ شَهْدِهِ (المحاسن ج2 ص499)
وقد ورد في الحديث أيضاً عن أبي الحَسَنِ الثَّالِثَ (ع): أَكْلُ العَسَلِ حِكْمَةٌ (المحاسن ج2 ص500).
المعنى الثاني: النحل والأئمة
في قِبال هذا المعنى، معنى آخر يُعَدُّ من بطون القرآن، يدلُّ على أنَّ المراد من النَّحل في الآية المباركة هم الأئمة عليهم السلام، وعليٌّ أميرهم، فيكون بذلك (أمير النَّحل).
ويكون الوجه في ذلك تشبيههم بالنَّحل على سبيل المجاز، فكما يخرج العسل من النَّحل، وقد جعل الله فيه شفاءً للأبدان، يخرج العلم من الأئمة عليهم السلام، وقد جعل الله فيه شفاءً للأرواح.
ففي الحديث عن الصادق عليه السلام: مَا بَلَغَ بِالنَّحْلِ أَنْ يُوحَى إِلَيْهَا، بَلْ فِينَا نَزَلَتْ، فَنَحْنُ النَّحْلُ، وَنَحْنُ المُقِيمُونَ لله فِي أَرْضِهِ بِأَمْرِهِ.. (تأويل الآيات الظاهرة ص260).
وعنه عليه السلام: نَحْنُ النَّحْلُ الَّتِي أَوْحَى الله إِلَيْهَا.. وَالَّذِي ﴿يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ﴾: الْعِلْمُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَّا إِلَيْكُم (تفسير القمي ج1 ص387).
وقد نُقِلَ عن بعض الزيارات الجامعة في (شجرة النبوَّة والإمامة) أنها: تنبع بالنبوّة، وتتفرع بالرسالة، وتثمر بالإمامة، وتُغَذَّى من ينابيع الحكمة، وتُسقَى من مصفى العسل، والماء العذب الغدق، الذي فيه حياة القلوب، ونور الأبصار، الموحى إليه بأكل الثمرات (تأويل الآيات الظاهرة ص260).
ففي علوم الأئمة شفاءٌ لقلوب المؤمنين، وحياةٌ للنفوس الميتة، وطهارةٌ من الأرجاس والخبائث..
وعن الصادق عليه السلام: فالنحل الأئمة.. والثمرات المختلف ألوانه: فنون العلم الذي قد يُعَلِّمُ الأئمة شيعتهم، ﴿فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ﴾ يقول: في العلم شفاءٌ للناس، والشيعة هم الناس (تفسير العياشي ج2 ص263).
قال الشيخ المجلسي رحمه الله: قد عرفت في كثير من الأخبار أنَّ ما في القرآن مما ظاهره في غذاء الأجساد ونمو الأبدان والتذاذها، فباطنه في قوت القلوب وغذاء الأرواح وتوقير الكمالات، كتأويل الماء والنور والضياء بالعلم والحكمة، فلا غرو في التعبير عنهم (ع) بالنحل، لمظلوميتهم بين الخلق، وإخفائهم ما في بطونهم من العلم، الذي هو شفاء القلوب، ودواء الصدور، وغذاء الأرواح، فيخرج منهم شرابٌ مختلف ألوانه من أنواع العلوم والمعارف والحكم المتنوعة التي لا تحصى.. (بحار الأنوار ج24 ص111).
وفي الحديث عنهم عليهم السلام: مَا يَخْرُجُ مِنْ عِلْمِ [أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ] عَلِيِّ [بْنِ أَبِي طَالِبٍ] (ع) فَهُوَ الشِّفَاء (تفسير فرات ص236).
المعنى الثالث: النحل والشيعة
لقد ورد في الروايات الشريفة ما يُشير إلى معنىً ثالث، وهو أنَّ علياً أميرَ المؤمنين هو (أميرُ النَّحل) لأنَّه (أميرُ الشيعة)، فالشيعة في الناس (بمنزلة النحل) لوجوهٍ شتى (يراجع بحار الأنوار ج72 ص428).
لكنَّ أوضح ما في تنزيل الشيعة منزلة النَّحل هو إخفاء إيمانهم وعقيدتهم خوفاً على أنفسهم، لأنَّ مخالفيهم الذين أودع الله فيهم عقلاً ما استثمروه ولا أفادوا منه، فكانوا كالطيور التي لا حظَّ لها من العقل، لو علمت ما في بطن النَّحل من عسلٍ لأكلتها!
ففي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: شِيعَتُنَا بِمَنْزِلَةِ النَّحْلِ، لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي أَجْوَافِهَا لَأَكَلُوهَا (الخصال ج2 ص625).
وعن الصادق عليه السلام: اتَّقُوا عَلَى دِينِكُمْ فَاحْجُبُوهُ بِالتَّقِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا تَقِيَّةَ لَهُ.
إِنَّمَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ كَالنَّحْلِ فِي الطَّيْرِ، لَوْ أَنَّ الطَّيْرَ تَعْلَمُ مَا فِي أَجْوَافِ النَّحْلِ مَا بَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ إِلَّا أَكَلَتْهُ!
وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ عَلِمُوا مَا فِي أَجْوَافِكُمْ أَنَّكُمْ تُحِبُّونَّا أَهْلَ الْبَيْتِ لَأَكَلُوكُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ! وَلَنَحَلُوكُمْ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، رَحِمَ الله عَبْداً مِنْكُمْ كَانَ عَلَى وَلَايَتِنَا (الكافي ج2 ص218).
وهذا المعنى عجيبٌ جدَّاً، فإنَّ النَّاس في الغالب يبغضون من عرفوا في قلبه المحبَّة الكاملة لآل محمدٍ عليهم السلام، ويؤذونه، ولو تظاهروا هم بمحبة الآل، فهي محبَّةٌ منقوصةٌ مقرونةٌ بمحبَّة أعدائهم.
وقد أشارت بعض النصوص إلى أنَّ الطيور تستضعف النَّحل أو تستخفُّ بها، وأنَّها لا تعرفُ ما في جوفها من البركة (الغيبة للنعماني ص209).
وأنَّ حال الشيعة ينبغي أن يكون كحال النَّحل، فإنَّه ليس من بركةٍ بعد معرفة الله والرَّسول في شيء كما في معرفة آل محمدٍ عليهم السلام وحُبِّهم، إلا أنَّ: أَكْثَرَ النَّاسِ لَا خَيْرَ فِيهِم (التوحيد للصدوق ص413)، كما يقول الصادق عليه السلام.
ويقول عليه السلام: إِنَّ النَّاسَ لَيْسَ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيْهِمْ مِنْ ذِكْرِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ (عليهما السلام) (الكافي ج8 ص159).
لذا لا ينبغي للمؤمن الذي يخشى على نفسه من المخالفين أن يجهر أمامهم بما يصير سبباً أو مبرِّراً لإيذائه أو إيذاء إخوانه، إلا أن يأمن على نفسه وعليهم.
فكم هي غُربة المؤمن اليوم إذا ما اضطر إلى كتمان إيمانه، وهو العالم بأنَّ إيمانه هذا وتشيُّعه هو عزُّ الإسلام وشرفه، وأنَّ من خسر الذائقة فلم يستعذب العسل يظلُّ أهون حالاً ممَّن لم تدخل حلاوة الإيمان في قلبه.
أمير الشيعة
بهذا صارَ أميرُ المؤمنين عليه السلام أميراً للنحل، ويعسوباً للمؤمنين، يتبعونه ويقتفون أثره.
وإذا كان اليعسوب هو كبيرُ النَّحل الذي يقدمهم ويدفع عنهم ويدبِّرُ أمورهم، فإنَّ علياً خيرُ من يدفع عن أوليائه في الدُّنيا والآخرة.
أمَّا في الدُّنيا فيدفع عنهم كلَّ شكِّ وشُبهةٍ وريبٍ.
وأمَّا في الآخرة فيدفع عنهم أهوالها وشدائدها وبلاءاتها.
أمَّا البلاءات، فرغم أنَّه يدفع عنهم الكثير منها، إلا أنَّ حكمة الله شاءت أن يكون المؤمن أكثر بلاءً من غيره، فيصبر ويتحمل كما صبر عليٌّ وبنوه (ع).
لقد قال رسول الله (ص) لعليٍّ عليه السلام: الْيَعْسُوبُ أَمِيرُ النَّحْلِ، وَأَنْتَ أَمِيرُ المُؤْمِنِين (اليقين باختصاص مولانا عليّ ع بإمرة المؤمنين ص517).
وقال له: أَنْتَ يَعْسُوبُ المُؤْمِنِينَ، وَأَنْتَ أَخِي وَوَزِيرِي وَخَلِيفَتِي فِي أَهْلِي (المسترشد ص215).
وقد ورد في زيارته عليه السلام: كُنْتَ وَالله يَعْسُوباً لِلدِّينِ أَوَّلًا وَآخِراً، الْأَوَّلَ حِينَ تَفَرَّقَ النَّاسُ، وَالْآخِرَ حِينَ فَشِلُوا (الكافي ج1 ص455).
وفي زيارته: السَّلَامُ عَلَى يَعْسُوبِ الْإِيمَانِ، وَكَلِمَةِ الرَّحْمَن (المزار الكبير ص184).
وإذا كان اليعسوب هو القائد والأمير والرئيس، سرى ذلك إلى سائر الأئمة عليهم السلام.
ففي زيارة الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء: السَّلَامُ عَلَى مَنْ بَكَتْهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ، السَّلَامُ عَلَى مَنْ ذُرِّيَّتُهُ الأَزْكِيَاءُ، السَّلَامُ عَلَى يَعْسُوبِ الدِّينِ، السَّلَامُ عَلَى مَنَازِلِ البَرَاهِينِ (المزار الكبير ص498).
وفي زيارة الإمام الحجة عليه السلام: إِذْ أَنْتَ نِظَامُ الدِّينِ، وَيَعْسُوبُ المُتَّقِينَ، وَعِزُّ المُوَحِّدِين (المزار الكبير ص588).
لقد ورد في كتب اللغة: اليَعْسُوب: أمير النَّحل، ثمّ كثُر ذلك حتّى سَمّوا كلّ رئيس يَعْسُوبا (كتاب الماء ج3 ص888)
فصار عليٌّ وبنوه رؤساء لمن آمن بهم جميعاً، ولم يستثنِ منهم أحداً، إثنا عشر إماماً معصومون مطهَّرون.
وما اتَّبَع علياً والأئمة من بنيه أحدٌ كما فعل الشيعة، واقتدوا به، واهتدوا بهديه، واجتمعوا على أمره.
وحاشا عليا وأبناءه أن يتركوا شيعتهم وأوليائهم الذين لاذوا بهم، وتوجهوا إليهم، وانتظروا ساعة خروج مهديِّهم.
ذاك حيث يخرج يعسوب الدين، فَيَبْعَثُ الله قَوْماً مِنْ أَطْرَافِهَا يَجِيئُونَ قَزَعاً كَقَزَعِ الخَرِيف.. وَهُوَ قَوْلُ الله ﴿أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ الله جَمِيعاً إِنَّ الله عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾ (الغيبة للطوسي ص477).
هي الساعة الموعودة التي يجمع الله فيها المؤمنين، فيظهرون إيمانهم جهاراً نهاراً، ويسلُّون سيوفهم مع إمامهم وسيدهم ويعسوبهم وأميرهم، مع المهدي عليه السلام، ثم يكرُّ عليٌّ عليه السلام في رجعته، فيتشرَّفون برؤيته المباركة، مع الحسين الشهيد عليه السلام، ليشتركوا في الأخذ بثاره.
جعلنا الله منهم، وثبتنا على ولايتهم.
والحمد لله رب العالمين
السبت 17 ذو الحجة 1446 هـ الموافق 14 – 6 – 2025 م
بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
|